فصل: قال القرطبي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن عطية:

وأما الجماعة المرادة بـ {الذين اتخذوا}، فهم منافقو بني غنم بن عوف وبني سالم بن عوف، وأسند الطبري عن ابن إسحاق عن الزهري وغيره أنه قال: أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك حتى نزل بذي أوان بلد بينه وبين المدينة ساعة من نهار، وكان أصحاب مسجد الضرار قد كانوا أتوه وهو يتجهز إلى تبوك فقالوا يا رسول الله إنَّا قد بنينا مسجدًا لذي العلة والحاجة والليلة المطيرة، وإنَّا نحب أن تأتينا فتصلي لنا فيه، فقال إني على جناح سفر وحال شغل، ولو قدمنا إن شاء الله أتيناكم فصلينا لكم فيه، فلما أقبل ونزل بذي أوان نزل عليه القرآن في شأن مسجد الضرار، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم مالك بن الدخشم ومعن بن عدي أو أخاه عاصم بن عدي، فقال: انطلقا إلى هذا المسجد الظالم أهله، فاهدماه وحرقاه، فانطلقا مسرعين ففعلا وحرقاه بنار في سعف، وذكر النقاش أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث لهدمه وتحريقه عمار بن ياسر ووحشيًا مولى المطعم بن عدي، وكان بانوه اثني عشر رجلًا، خذام بن خالد، ومن داره أخرج مسجد الشقاق وثعلبة بن حاطب ومتعب بن قشير، وأبو حبيبة بن الأزعر وعباد بن حنيف أخو سهل بن حنيف، وجارية بن عمرو وابناه مجمع بن جارية وهو كان إمامهم، وحلف لعمر بن الخطاب في خلافته أنه لم يشعر بأمرهم وزيد بن جارية ونبتل بن الحارث، ويخرج وهو من بني ضبيعة وبجاد بن عثمان ووديعة بن ثابت ويخرج منهم هو الذي حلف لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما أردت إلا الحسنى والتوسعة علينا وعلى من عجز أو ضعف عن المسير إلى مسجد قباء، وقرأ ابن أبي عبلة {ما أردنا إلا الحسنى}، والآية تقتضي شرح شيء من أمر هذه المساجد، فروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة وقت الهجرة بنى مسجدًا في بني عمرو بن عوف وهو مسجد قباء، وقيل وجده مبنيًا قبل وروده، وقيل وجده موضع صلاة فبناه وتشرف القوم بذلك، فحسدهم من حينئذ رجال من بني عمهم من بني غنم بن عوف وبني سالم بن عوف، فكان فيهم نفاق، وكان موضع مسجد قباء مربطًا لحمار امرأة من الأنصار اسمها لية، فكان المنافقون يقولون والله لا نصبر على الصلاة في مربط حمار لية ونحو هذا من الأقوال، وكان أبو عامر عبد عمرو المعروف بالراهب منهم، وكانت أمه من الروم فكان يتعبد في الجاهلية فسمي الراهب، وهو أبو حنظلة غسيل الملائكة وكان سيدًا نظيرًا وقريبًا من عبد الله بن أبي ابن سلول، فلما جاء الله بالاسلام نافق ولم يزل مجاهرًا بذلك فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم الفاسق، ثم خرج في جماعة من المنافقين فحزب على رسول الله صلى الله عليه وسلم الأحزاب، فلما ردهم الله بغيظهم أقام أبو عامر بمكة مظهرًا لعداوته، فلما فتح الله مكة هرب إلى الطائف.
فلما أسلم أهل الطائف خرج هاربًا إلى الشام يريد قيصر مستنصرًا به على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكتب إلى قومه المنافقين منهم أن ابنوا مسجدًا مقاومة لمسجد قباء وتحقيرًا له، فإني سآتي بجيش من الروم أخرج به محمدًا وأصحابه من المدينة فبنوه، وقالوا سيأتي أبو عامر ويصلي فيه ويتخذه متعبدًا ويسر به، ثم إن أبا عامر هلك عند قيصر ونزل القرآن في أمر مسجد الضرار فذلك قوله: {وإرصادًا لمن حارب الله ورسوله} يعني أبا عامر وقولهم سيأتي أبو عامر، وقرأ الأعمش {للذين حاربوا الله} وقوله: {ضرارًا} أي داعية للتضار من جماعتين فلذلك قال: {ضرارًا} وهو في الأكثر مصدر ما يكون من اثنين وإن كان المصدر الملازم لذلك مفاعلة كما قال سيبويه، ونصب {ضِرَارًا} وما بعده على الصدر في موضع الحال، ويجوز أن يكون على المفعول من أجله، وقوله: {بين المؤمنين} يريد بين الجماعة التي كانت تصلي في مسجد قباء فإن من جاوز مسجدهم كانوا يصرفونه إليه وذلك داعية إلى صرفه عن الإيمان، وقيل أراد بقوله: {بين المؤمنين} جماعة مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا بحسب الخلاف في المسجد المؤسس على التقوى وسيأتي ذلك، قال النقاش يلزم من هذا أن لا يصلى في كنيسة ونحوها لأنها بنيت على شر من هذا كله وقد قيل في هذا لا تقم فيه أبدًا.
قال القاضي أبو محمد: وهذا تفقه غير قوي، والإرصاد الإعداد والتهيئة، والذي حارب الله ورسوله هو أبو عامر الفاسق، وقوله: {من قبل} يريد في غزوة الأحزاب وغيرها، والحالف المراد في قوله: {ليحلفن} هو يخرج ومن حلف من أصحابه، وكسرت الألف من قوله: {إنهم لكاذبون} لأن الشهادة في معنى القول، وأسند الطبري عن شقيق أنه جاء ليصلي في مسجد بني غاضرة فوجد الصلاة قد فاتته فقيل له إن مسجد بني فلان لم يصل فيه بعد، فقال: لا أحب أن أصلي فيه فإنه بني على ضرار وكل مسجد بني ضرارًا ورياء وسمعة فهو في حكم مسجد الضرار، وروي أن مسجد الضرار لما هدم وأحرق اتخذ مزبلة ترمى فيه الأقذار والقمامات. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {والذين اتخذوا مسجدًا}
قرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم وحمزة والكسائي: والذين بواو.
وكذلك هي في مصاحفهم.
وقرأ نافع وابن عامر: {الذين} بغير واو، وكذلك هي في مصاحف أهل المدينة والشام.
قال أبو علي: من قرأ بالواو، فهو معطوف على ما قبله نحو قوله: {ومنهم من عاهد الله} [التوبة: 75] {ومنهم من يلمزك} [التوبة: 58] {ومنهم الذين يؤذون النبي} [التوبة: 61] والمعنى: ومنهم الذين اتخذوا مسجدًا.
ومن حذف الواو فعلى وجهين.
أحدهما: أن يضمر ومنهم الذين اتخذوا كقوله: {أكفرتم}، المعنى: فيقال لهم: أكفرتم.
والثاني: أن يضمر الخبر بعدُ، كما أُضمر في قوله: {إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله والمسجد الحرام} [الحج: 25]، المعنى: يُنتقم منهم ويعذَّبون.
قال أهل التفسير: لما اتخذ بنو عمرو بن عوف مسجد قُباء، وبعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتاهم، فصلى فيه، حسدهم إخوتهم بنو غَنْم بن عَوف، وكانوا من منافقي الأنصار، فقالوا: نبني مسجدًا، ونرسل إلى رسول الله فيصلي فيه، ويصلي فيه أبو عامر الراهب إذا قدم من الشام؛ وكان أبو عامر قد ترهَّب في الجاهلية وتنصَّر، فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، عاداه، فخرج إلى الشام، وأرسل إلى المنافقين أن أعدُّوا من استطعتم من قوة وسلاح، وابنوا لي مسجدًا، فاني ذاهب إلى قيصر فآتي بجند الروم فأُخرج محمدًا وأصحابه، فبنوا هذا المسجد، إلى جنب مسجد قباء، وكان الذين بنوه اثني عشر رجلًا: خِذام بن خالد ومِن داره أُخرج المسجد، ونَبْتَل بن الحارث، وبِجِاد بن عثمان، وثعلبة بن حاطب، ومُعتِّب بن قُشير، وعبَّاد بن حُنَيف، ووديعة بن ثابت، وأبو حبيبة بن الأزعر، وجارية بن عامر، وابناه يزيد ومُجمِّع، وكان مُجمِّع إمامهم فيه، ثم صلحت حاله، وبحزج جد عبد الله بن حنيف، وهو الذي قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أردتَ بما أرى»؟ فقال: والله ما أردت إلا الحسنى، وهو كاذب.
وقال مقاتل: الذي حلف مُجمِّع.
وقيل: كانوا سبعة عشر، فلما فرغوا منه، أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: إنا قد ابتنينا مسجدًا لذي العلَّة والحاجة والليلة المطيرة، وإنا نحب أن تأتينا فتصليَ فيه، فدعى بقميصه ليلبسه، فنزل عليه القرآن وأخبره الله خبرهم، فدعا معن بن عدي، ومالك بن الدُّخشُم في آخرين، وقال: «انطلقوا إلى هذا المسجد الظالم أهله، فاهدموه وأحرِقوه» وأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتُخذ كُناسة تُلقى فيها الجيف.
ومات أبو عامر بالشام وحيدًا غريبًا.
فأما التفسير: فقال الزجاج: {الذين} في موضع رفع، المعنى: ومنهم الذين اتخذوا مسجدًا ضرارًا.
و{ضرارًا} انتصب مفعولًا له، المعنى: اتخذوه للضرار والكفر والتفريق والإرصاد.
فلما حذفت اللام، أفضى الفعل، فنَصب.
قال المفسرون: والضرار: بمعنى المُضارّة لمسجد قباء، {وكفرًا} بالله ورسوله {وتفريقًا بين المؤمنين} لأنهم كانوا يصلُّون في مسجد قباء جميعًا، فأرادوا تفريق جماعتهم، والإرصاد: الانتظار، فانتظروا به مجيء أبي عامر، وهو الذي حارب الله ورسوله من قبل بناء مسجد الضرار.
{وليحلفُنَّ إن أردنا} أي: ما أردنا {إلا الحسنى} أي: ما أردنا بابتنائه إلا الحسنى؛ وفيها ثلاثة أوجه.
أحدها: طاعة الله.
والثاني: الجنة.
والثالث: فعل التي هي أحسن من إقامة الدين والاجتماع للصلاة.
وقد ذكرنا اسم الحالف. اهـ.

.قال القرطبي:

{وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ}
فيه عشر مسائل:
الأُولى قوله تعالى: {والذين اتخذوا مَسْجِدًا} معطوف، أي ومنهم الذين اتخذوا مسجدًا، عطف جملة على جملة.
ويجوز أن يكون رفعًا بالابتداء والخبر محذوف كإنهم يعذّبون أو نحوه.
ومن قرأ {الذين} بغير واو وهي قراءة المدنيين فهي عنده رفع بالابتداء، والخبر {لاَ تَقُمْ} التقدير: الذين اتخذوا مسجدًا لا تقم فيهِ أبدًا؛ أي لا تقم في مسجدهم؛ قاله الكسائي.
وقال النحاس: يكون خبر الابتداء {لاَ يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ}.
وقيل: الخبر يعذبون كما تقدّم.
ونزلت الآية فيما روي في أبي عامر الراهب؛ لأنه كان خرج إلى قَيْصر وتنصّر ووعدهم قيصر أنه سيأتيهم، فَبَنوْا مسجد الضّرار يرصدون مجيئه فيه؛ قاله ابن عباس ومجاهد وقتادة وغيرهم، وقد تقدّمت قِصته في الأعراف وقال أهل التفسير: إن بني عمرو بن عوف اتخذوا مسجد قُبَاء وبعثوا للنبيّ صلى الله عليه وسلم أن يأتيهم فأتاهم فصلّى فيه، فحسدهم إخوانهم بنو غُنْم بن عوف وقالوا: نبني مسجدًا ونبعث إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم يأتينا فيُصلّي لنا كما صلّى في مسجد إخواننا، ويصلِّي فيه أبو عامر إذا قدم من الشام؛ فأتوا النبيّ صلى الله عليه وسلم وهو يتجهز إلى تبوك فقالوا: يا رسول الله، قد بنينا مسجدًا لذي الحاجة؛ والعِلّة والليلة المطيرة، ونحب أن تصلّي لنا فيه وتدعو بالبركة؛ فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «إني على سفر وحالِ شغل فلو قدِمنا لأتيناكم وصلّينا لكم فيه» فلما انصرف النبيّ صلى الله عليه وسلم من تبوك أتوه وقد فرغوا منه وصلّوا فيه الجمعة والسبت والأحد، فدعا بقميصه ليلبسه ويأتيهم فنزل عليه القرآن بخبر مسجد الضِّرار؛ فدعا النبيّ صلى الله عليه وسلم مالك بن الدُّخْشُم ومعن بن عَدي وعامر بن السَّكَن ووحْشِيًّا قاتل حمزة، فقال: «انطلقوا إلى هذا المسجد الظالم أهله فاهدموه وأحرقوه» فخرجوا مسرعين، وأخرج مالك بن الدُّخْشُم من منزله شعلة نار، ونهضوا فأحرقوا المسجد وهدموه، وكان الذين بنوه اثني عشر رجلًا: خِذام بن خالد من بني عبيد بن زيد أحد بني عمرو بن عوف ومن داره أخرِج مسجد الضرار، ومعتّب بن قُشير، وأبو حبيبة بن الأزعر، وعَبّاد بن حُنيف أخو سهل بن حنيف من بني عمرو بن عوف.
وجارية بن عامر، وابناه مُجمّع وزيد ابنا جارية، ونَبْتل بن الحارث، وبَحْزَج، وبَجَاد بن عثمان، ووديعة بن ثابت؛ وثعلبة بن حاطب مذكور فيهم.
قال أبو عمر بن عبد البر: وفيه نظر؛ لأنه شهد بدرًا.